هل رأيت يوما رضيعا يخشى البحر ...النار أو المرتفعات؟
قطعا لا !! فقط نحن الكبار نخاف كل شيء ونتوجس من اللاشيء..نحن
فقط نخشى الحلم والفرح ونجزع من كل جديد
بال هذه الحكمة...كلما مر بنا العمر ازداد خوفنا وسميناه
حذرا وازداد مكرنا وأسميناه احتياطا..وتعاظم ظلمنا وأسميناه استباقا للشر ووقاية.
لكثرة ما صار التناسب الطردي بين سن الإنسان وشره واضحا...بت أخشي
أن اكبر أكثر
تاريخنا حافل بالمخاوف وحاضرنا مثله
لنلقي نظرة للماضي ..نظرة للزمن الذي نفخر ونعتز به ولم
نعشه
اعتقد أن ثورة التحرير الكبرى تأخرت بسبب
الخوف...مهلا...حاشى أن اتهم ميصالي الحاج ورفاقه بالجبن
فالخوف لم يكن من العدو بل كان الخوف من الظروف... من
قلة التجهيزات ونقص الإمكانيات...كان الخوف من الفشل أو العودة من منتصف الطريق
لكني أكاد اجزم أن كل هذه المخاوف ..كانت قشورا تغطي
خوفا أكبر..أهم وأخطر "الخوف من ردة فعل الشعب..وكيفية تقبله وتفاعله مع
الثورة"
فالخوف ككل الأمراض الخبيثة يأتي متنكرا ومتخفيا حتى
يفتك بك
نعم لو فازت الحكمة حينها لربما كان علينا استضافة فرنسا
قرنا آخر من الزمن...
فحمدا لله على طيش الشباب
ربما كان عنفوان الشباب...عزيمته ..اندفاعه و حتى قلة
خبرته ما جعل تلك الثورة أعظم ثورات القرن
العشرين
فماذا لو استوقفتهم أعمارهم اليافعة؟ ماذا لو توقفوا
ليعدوا بنادقهم التقليدية..ويقارنوا عددها بعدد الطائرات والدبابات الفرنسية؟
والأطلسية؟
أحترم انعدام الخبرة الذي يدفع بصاحبه إلى السؤال
ومحاسبة الذات..وأحب هفوات المبتدئين التي تجنح أحيانا للابتكار.
الخوف "حذر زائد..أم طيش مبرر"؟
قد يرفض احدنا عملية استئصال ورم في الدماغ..القلب او
النخاع الشوكي خوفا من العواقب...وقد
نتفهم أن يختار أحد ما تقبل الألم وتقليص فترة حياته بدافع الخوف من الموت نعم
قد نتفهم هذا الطرح ...رغم انعدام المنطق فيه..ففي النهاية هو حر..لجسد جسده
والحياة حياته.
لكن كيف وأين حصلوا على الجرأة في استبقاء أورام خبيثة تدعى
"الفساد" ..."الرداءة" ..."الفشل" في جسد هو ملك أكثر
من 35 مليون إنسانا اليوم وملك الملايين من البشر الذين سيولدون لاحقا؟
كيف هان في أعينهم ألمنا...وغرق شبابنا وانتحار شيوخنا
وشاباتنا بل وحتى أطفالنا
كيف نطبق الحذر على فم وأنف وطن ونحكم عليه بالموت حنقا
وخنقا بحجة الخوف على سلامته؟
تفسر الديكتاتورية والأحادية التي اتصفت بها أنظمة الحكم
العربية غداة الاستقلال بالنزعة التسلطية والأنانية والخوف من تفوق الأخر الذي
سيؤدي حتما إلى فقدان الكرسي أو إلى الاضطرار لمناقشة قرارات تفتقر للقناعة الضرورية
للإقناع... فالحجة الضعيفة وحدها تخشى حلبة النقاش فتلجأ للبطش
وان أحسنا الظن نقول
أنهم خافوا على الدول الفتية من الفرقة والمستعمر المتربص...لكن هل كان حذرهم
الزائد مصدر أمان فعلي أم مجرد رماد على الجمر؟
ماذا لو لم يخافوا بوضياف ورفاقه؟
يمكنك أن تجيب على هذا السؤال منفردا .. بأن تطلق العنان
لخيالك وتتصور كيف كانت ستكون الجزائر اليوم لو لم يطبق عليها الحزب الواحد قبضته
أي أفكار وأي حضارة كانت ستبنى لو لم تختص فئة معينة
رأيها بالصواب وتحكم على من يخالفه بالخيانة "وتنسى أن من اصدر في حقه هذا
الوصف المخزي هو من جعل روحه عربونا لحرية هذه الأمة
ترى كيف كانت ستسير وتبنى دولة الجزائر لو سمح لأبطال
نوفمبر بالاقتراح والنقد والمشاركة الفعالة بدل السجن والنفي والتخوين
صدق مالك حداد إذ قال" الخيانة هي أن تشك في حقيقة
الآخرين"
الخوف من الآخر... احتكار الوطنية والتشكيك في سريرة الأخ
الشقيق... هو الخيانة عينها
هل حمانا ذاك
الخوف فعلا أم انه كان سلاح عدونا نقطع به أوصالنا بأيدينا و نخدمه ونحن نعتقد أننا نحسن صنعا؟
ترويض الخوف
بداية يجب أن نعترف بأن الخوف ليس جبنا ولا ضعفا
وبالتالي لم ولن يكون عيبا .. علينا أن نفهمه لنفك شفرته ونتجنب ويلاته فهو قاتلنا
إن سمحنا له باستعبادنا وهو قاتلنا إن اعتقدنا أن الشجاعة تكمن في أن نوليه ظهورنا
لنعدد مخاوفنا وندرسها واحدة واحدة فالخوف يشير إلى
مكامن الضعف فينا ... ويشير إلى مسارب الخطر ... لابد لنا من وقفة صادقة مع
مخاوفنا نسند ضعفنا وندرس احتمالات الخطأ فنتفاداه أو نستعد لمواجهته ومن ثم نكمل
المسير
الخوف من الشباب والتجديد
إذا استدعينا كل الهدوء وحسن النية وإذا
حاولنا النظر إلى الجزء المليء من كأس الخمسين سنة الماضية
سنقول شكرا لكم نعلم أنكم فعلتم كل ما
تقدرون عليه لأجل هذا الوطن واستنفذتم كل طاقاتكم بل وأعماركم فأغلبكم جاوز السبعين
.. واستنفذتم كل أفكاركم ومشاريعكم فجربتموها بالطول والعرض والارتفاع ثم عدلتموها ثم تبادلتم الأدوار فيما بينكم... ومرت خمسون
سنة ولم نستكمل تحقيق الحلم الجزائري النوفمبري...
وانتم قدوتنا ... فكما تمردتم على حزب الشعب
حين استثقلتم خطاه وكما انتزعتم فرصتكم
انتزاعا ونجحتم سنفعل...
يحق لنا أن نتمرد عليكم ونفتك المشعل من أيديكم .. فقد أحيل جيل الاستقلال على التقاعد ولم يستلمه منكم... وهذا الجيل الموالي يحتفل بنصف قرن ولم يتسلمه ... أما جيلنا فولد عجوزا وأطفالنا ينتحر ون بدل أن يلعبوا
وشبابنا يحرق نفسه بدل أن يقول كلمة لا
...
قد كانت أخطاؤكم فادحة يا سادة ولولا عظمة هذا الشعب وصبره لعاد الاستعمار من الباب وما اكتفى بالتطفل من النوافذ
توقفوا عن هذا العناد فأخطاؤكم كانت
انفرادية وقاتلة...ومهما بلغ طيشنا لن تكون أخطاءنا إلا جماعية
ولن يحدث أبدا أن يجمع الجزائريون على حرق الجزائر أو بيعها أبدا
رائع ما تناثر هنا من كلمات، فعلا لن يحدث أبدا أن يُجمع الجزائريون على حرق الجزائر أو بيعها .. ولولا عظمة هذا الشعب وصبره وصموده رغم التهميش، لعاد الإستعمار من الباب وما اكتفى بالتطفل من النوافذ .. دمتِ ودامت كلمات قلمك رصاصا من أجل الجزائر الغالية .
ردحذفرائع ما نقرأه لك من حين الى اخر.
ردحذفشكرا لكما
ردحذفالرائع هو متابعتكم وتشجيعكم لي
تمر اوقات اشعر انني احاور نفسي فقط