الشمس تشرق دائما

في قلعة الثوار ... في جزائر الاحرار... ننثر عليكم ورودا وازهار

السبت، 14 يوليو 2012

محمد بلوزداد-آمنت بالثورة آمنت بالاستقلال...وقد كانت في حكم المحال






ذات ليلة من ليالي الشباب الجزائري العاصفة باليأس...جافاني النعاس قلقا على مستقبلي...حزنا وإشفاقا على أحلامي الكبيرة التي دأبت الجامعة الجزائرية على تقزيمها يوما بعد يوم
حلقت سحابة حيرة رمادية فوق سريري "هي ذي إرادتي الفولاذية تصطدم بجبال القيم التي تربيت عليها...هي ذي مبادئي تتقاتل في صراع البقاء.. هاأنا ادخل مرغمة صراع الأجيال" أأدافع عن حقي المهضوم أم أحافظ على هالة التقدير لأساتذتي الذين يكبرونني سنا وعلما
فكرت وفكرت ووصلت إلى انه لا يمكنني أن ارمي المنشفة البيضاء واترك لهم جامعتهم التي لا أبالغ إن قلت أن نصف خريجيها وصلوا إلى ما وصلوا إليه بطرق غير الاجتهاد والعمل من غش وواسطات وتنازلات وحتى رشاوى وأكاذيب.. وجدتني أفكر في مستقبل هذا الوطن كيف بالله نحلم أن يعلو له شأن وجامعته تكابد ما تكابد وطلبتها يدخلونها بأحلام وعزائم تحاكي الجبال كبرا ولا يخرجون منها إلا بأكوام من الحصى والغبار
ووجدت أنني أركض عبثا في حلقة مفرغة فقررت أن أتوقف عن التفكير مؤقتا ربما يكون تعبي وتشتت أفكاري سبب الحيرة التي لا تنتهي
فتحت التلفزيون علني أحضى بحفل أندلسي في ذاك الوقت المتأخر على اليتيمة فليس أحسن من الموسيقى الأندلسية لمغازلة النعاس
وإذا بي أقع على شريط وثائقي يحكي حياة أحد أكثر شهداء الثورة شهرة "سميت بلدية باسمه" وأكثرهم تهميشا "قلة قليلة جدا من تعرف عن تاريخه شيئا"
لست بصدد إعادة كتابة سيرة الرجل ولا بصدد سرد ما قيل في ذلك الشريط الذي لم أتمكن من العثور عليه لمشاركتكم إياه أحاول فقط أن أوصل الأثر العميق الذي تركه في نفسي.
تحصل محمد بلوزداد سليل الأسرة العاصمية المتواضعة على البكالوريا ولكنه ورغم الحظ الذي ابتسم له ولم يلتفت صوب الكثيرين من أقرانه الانديجان بالحصول على التعليم و العمل مع مصالح مديرية الشؤون الإسلامية للحكومة العامة لم يتنكر لأصله ولقضيته فكان يعمل ويناضل في صفوف حزب الشعب الجزائري ويواصل دراسته في نفس الوقت
نعم لقد آمن بالاستقلال في تلك الفترة العصيبة التي دفع اليأس إبانها بعدد من معاصريه إلى المطالبة بالاندماج أو المساواة بعد أن فشلت كل الثورات التي قامت في مختلف إنحاء الوطن منذ غروب شمس الحرية ذات 5 جويلية 1830
قد تابعت سيرة الرجل سماعا فقط فلم تكن عيناي تتقن غير ذرف دموع لست أجد لها تفسيرا محددا قثد تكون دموع الفخر والاعتزاز...دموع الغيرة .. دموع الحنين الى تلك الروح أو دموع الحسرة والاستنكار
لما لم يعرض هذا سابقا ؟ لما في هدا الوقت المتاخر من الليل؟
كأنهم يخشون أن نتخذ منه قدوة لنا...كأنهم يخافون أن ننتبه إلى أن قادة ثورتنا العظيمة لم يكونوا شيوخا طاعنين في السن بل كانوا شبابا يافعين فنستيقظ من غفوة الطفولة التي مددت إلى سن الستين في وطني
فحين أسس محمد بلوزداد خلية شباب بلكور- التي كان دورها إعداد المناضلين لمكافحة الاستعمار- كان عمره لا يتعدى السابعة عشر تخيلوا!! وكان في هذه الحقبة مكلفا بالإعلام، التنسيق و التكوين.
شارك في مظاهرات الثامن من ماي 1945 التي طالب الشعب فيها فرنسا أن تفي بوعدها الذي حنثت به كاشفة القناع عن وجهها الحقيقي و طبعها الإجرامي وقدمت 45000 ألف روح جزائرية عربونا لشيطان الخوف آملة أن لا يذكر اسم الجزائر بعدها ابدآ إلا مقترنا بملكية فرنسا المزعومة وان يهجر طيف الحرية أرضنا بلا عودة
لكن ما حصل فعلا هو أن هجرت الثقة بأقوال المستعمرين أكثر الجزائريين إيمانا بها...وسقط مفهوم النضال السياسي من اجل الاستقلال وسقطت معه دعوات المساواة والاندماج الى غير رجعة..
نجا بلوزداد من مذابح الثامن من ماي فأصبح مطاردا من طرف السلطات المحتلة حاله حال كل الوطنيين والمناضلين من اجل الاستقلال
فالتجأ إلى قسنطينة.
لعل فرنسا اعتقدت انه هرب صاغرا لينجو بجلده...لكنها كانت معذورة لانها لم تخبر هذه النوعية من الرجال...لم ييأس بلوزداد لما ضاق الخناق عليه بل بحث عن شباب قسنطيني بعزيمة متقدة فكان أبرزهم الشهيد مصطفى بن بولعيد وفي ظرف سنتين فقط تمكنوا من ٳعادة تنظيم هياكل الحزب و استرجاع معظم مراكز الحركة في المنطقة و أكثر من ذالك عملوا على توسيع مجال تمثيل الحزب في مناطق أخرى .
كان محمد بلوزداد أول مسؤول للمنظمة السرية الشبه عسكرية « OS » وأبرز مؤسسيها وكانت هذه المنظمة النواة الأولى للكفاح المسلح وأول خطوة على درب الثورة التحريرية الكبرى...والتي تميزت عن كل الثورات التي سبقتها ولم تكلل بالانتصار كونها كانت الثورة الجامعة التي شارك فيه كل أبناء الوطن من مختلف مناطقه الشاسعة وبمختلف توجهاتهم الفكرية
توفي الشهيد قبل ان يتم عقده الثالث إذ كان مرض السل يرافقه خلسة منذ سنين فلم ينتبه إليه أو لم يلتفت له أو لم يسمح له أن بثنيه عن واجبه المقدس إلى أن تمكن منه يوم 14 جانفي 1952
توفي محمد بلوزداد ولم يكتب له أن يحضر إطلاق الرصاصة الأولى في الفاتح من نوفمبر... ولم يشهد الاستقلال الذي نحتفل بخمسينيته اليوم على وقع المفرقعات وأغاني الراي وتغيب عنا تلك الروح التي تكفر بالمستحيل...ونغفل عن واجبنا في بناء هذا الوطن واستكمال مسار نوفمبر ... لم يكن بلوزداد يحتاج الانتظار اكثر لم يكن يحتاج عمرا أطول ولا أن يعيش معنا الاستقلال ليؤمن به فلو لم يكن يرى الثورة والاستقلال رؤيا العين ما استطاع أن يضع قطار الكفاح على السكة الصحيحة ولا أن يعطيه الدفعة الأولى ولو لم يكن يثق بحب الجزائريين لأرضهم وحريتهم وبذكائهم وقدرتهم على تحدي الصعاب لذبل ومات منسيا او منتحرا حرقا او غرقا كما يفعل جزائريو "الاستقلال"

دموعي لم تكن دموع حسرة على فقدان تلك الروح الجزائرية الحرة ولا دموع حسرة على وطن نخنقه بغرورنا ونكفنه بأمجاد الماضي ثم ندفنه في قلوبنا ونمضي به الى المقابر
بل كانت دموع الفرح فقد اعتبرت الامر رسالة الهية جلية المعنى كانت دموع الثقة والحماس فجينات بلوزداد ...بن مهيدي ...بن بولعيد والآخرون لا تزال تتناسل فينا وفي أطفالنا
قد يكون العمر قصيرا أو طويلا قد تحتجب الشمس بسحب حالكة السواد..... قد تهب عليك رياح وأعاصير من كل حدب وصوب ...قد يتفشى في جسدك مرض خبيث ...قد تتعالى أصوات اليائسين من حولك "مستحيل...الله غالب...واش يدير الميت في يد غسالو" ...لكنك لا تزال بخير مادام حب الوطن ينبض في عروقك... لا يزال هناك أمل مادمت مؤمنا بأن غدا سيكون أفضل إن قمت بواجبك كاملا...
فاعمل رغم الظلام ...بضع خطوات تفصلك عن نور الشمس الساطع

هناك 3 تعليقات:

  1. شكرا لك و الله يرحم الشهداء ..مقال لارئع يستحق النشر علىمدونت ي:)

    ردحذف
  2. اهلا بك وشكرا على النعليق
    بكل تاكيد يمكنك ان تنشره اين شئت

    ردحذف
  3. ربي يرحمو و جميع الشهداء لي جابولنا البلاد
    والله هذا المقال روعة حتى بكاني

    ردحذف